مولده ونشأته


ولد رضي الله عنة بجيلان * وهي بلاد متفرقة وراء طبرستان في تسعة من ربيع الأخر سنة سبعين وأربعمائة * وكان في طفولته يمتنع من الرضاع في رمضان عناية من الله تعالى به ولما ترعرع سارع إلى طلب العلوم * وقصد كل مفضال عليم ومد خطوه إلى الفضائل فكان أسرع من خطو الظليم * وتفقه بأبي الوفا علي بن عقيل * وأبي الخطاب الكلوذاني محفوظ بن أحمد الجليل * وأبي الحسين محمد ابن القاضي أبي يعلى * وغيرهم ممن تنص لدية عرائس العلوم وتجلى وقرأ * الأدب على أبي زكرياء يحيى بن علي التبريزي واقتبس منة أي اقتباس * وأخذ علم الطريقة عن العارف الشيخ أبي الخير حماد بن مسلم الدباس ولبس من يد قاضي القضاة أبي سيعد المبارك ابن علي المخزومي الخرقة الشريفة الصوفية * وتأدب بآدابه الوفية * ولم يزل ملحوظاً بالعناية الربانية عارجأ معارج الكمال بهمته الأبية * آخذاً نفسه بالجد مشمرأ عن ساعد الاجتهاد نابذأ لمألوف الإسعاف والإسعاد * حتى مكث خمسأ وعشرين سنة سائحأ في صحارى العراق وخراباته * لا يعرف الناس ولا يعرفونه * فيعدلونه عن أمرة ويصرفونه * وقاسى في بداية أمره الأخطار فما ترك هولا إلا ركبه وفقر منة الفقار * وكان لباسه في سياحته رضي الله عنه * جبة صوفٍ وعلى رأسه خريقة * يمشي حافياً في الشوك والوعر * ويقتات ثمر الأشجار * وقمامة البقل التي ترمى وورق الخس من شاطىء النهر * ولا ينام غالباً * ولا يشرب الماء * وبقي مدة لم يأكل فيها طعاماً فلقيه إنسان فأعطاه صرة دراهم أكراماً * فأخذ ببعضها خبزاً سميداً وخبيصاً وجلس ليأكل وإذا رقعة مكتوب فيها * إنما جعلت الشهوات لضعفاء عبادي ليستعينوا بها على الطاعات وأما الأقوياء فما لهم وللشهوات * فترك الاكل وانصرف وفهم أنه محفوظ ومعتنى به وعرف

اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه
وأمدنا بالأسرار التي أودعتها لديه

ورافقه الخضر على نبينا وعلية الصلاة والسلام أول دخوله إلى العراق * ولم يكن سيدنا الشيخ يعرفه وشرط عليه الخضر أن لا يخالفه والمخالفة سبب الفراق * وقال له الخضر اقعد هاهنا فقعد في المكان الذي أشار إليه بالقعود فيه ثلاث سنين يأتيه في كل سنة مرة ويقول له لا تبرح مكانك حتى آتيك * ونام مرة في إيوان كسرى من المدائن في ليلة باردة فاحتلم فذهب إلى الشط واغتسل ثم نام فاحتلم فذهب إلى الشط واغتسل وقع له ذلك في تلك الليلة أربعين مرة وهو يغتسل في كل مرة * ثم صعد على جدار الإيوان خوفاً من النوم محافظة على الطهارة * وكان كلما أحدث توضأ ثم صلى ركعتين * ولا يجلس على حدث قط * ولم يزل الاجتهاد دأبه حتى طرقه من الله الحال * وآن إبـَّان الوصال * وبدت أنوار الجمال * فخرج على وجهه الوجيه لا يعي غير ما هو فيه *ويتظاهر بالتخارس والجنون حتى حمل إلى البيمارستان مرات إلى أن اشتهر أمرة وفاق أهل عصره علماً وعملاً وزهداً ومعرفة ورياسة وقبولاً *وطار صيته وسار ذكره مسير الشمس * واجتمع له مائة فقيه من علماء بغداد وجمع كل واحد منهم عدة مسائل * وجاءوا إليه ليمتحنوه * فلما استقروا أطرق الشيخ رضي الله عنة فظهرت من صدره بارقة من نور فمرت على صدور المائة الفقيه فمحت ما في قلوبهم وبهتوا واضطربوا وصاحوا صيحة واحدة * وكشفوا رؤوسهم * ومزقوا ثيابهم * ثم صعد على الكرسي * وأجاب عن جميع مسائلهم فاعترفوا بفضله وخضعوا له من ذلك الوقت * وكان رضي الله عنه * يُـقرئُ في ثلاثة عشر علماً * التفسير والحديث والخلاف * والأصول * والنحو * والقراءات وغير ذلك * ويفتي على مذهب الإمام الشافعي *والإمام احمد بن حنبل رضي الله عنهما * وكان علماء العراق يتعجبون من فتواه * ويقولون سبحان من أعطاه * ورفع إليه مرة سؤال عجز العلماء عن جوابه * في رجل حلف بالطلاق الثلاث أنة لابد أن يعبد الله عز وجل عبادة ينفرد بها دون الخلق أجمعين في ذلك الوقت فما خلاصه*فقال رضي الله عنه على الفور خلاصه أن يأتي مكة المكرمة ويخلى له المطاف فيطوف أسبوعاً وحده * وتنحل يمينه

اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه
وأمدنا بالأسرار التي أودعتها لديه

تعليقات