فضل العلم والتعليم والتعلم


الباب الأول
في فضل العلم والتعليم والتعلم وشواهده منالنقل والعقل
فضيلة العلم
شواهدها من القرآن قوله عز وجل: ﴿شهد الله أنه لاإله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط﴾ (آل عمران 3: 18) فانظر كيف بدأ سبحانه وتعالى بنفسه وثنىبالملائكة وثلث بأهل العلم وناهيك بهذا شرفا وفضلا وجلاء ونبلا وقال الله تعالى:﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ (المجادلة: 11) قال ابن عباس رضي اللهعنهما: للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائةعام. وقال عز وجل: ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ وقال تعالى: ﴿إنمايخشى الله من عباده العلماء﴾ وقال تعالى: ﴿قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومنعنده علم الكتاب﴾ وقال تعالى: ﴿قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به﴾ تنبيهاعلى أنه اقتدر بقوة العلم. وقال عز وجل: ﴿وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللهخير لمن آمن وعمل صالحا﴾ بين أن عظم قدر الآخرة يعلم بالعلم. وقال تعالى: ﴿وتلكالأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون﴾ وقال تعالى: ﴿ولو ردوه إلى الرسولوإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾ رد حكمه في الوقائع إلى استنباطهموألحق رتبتهم برتبة الأنبياء في كشف حكم الله. وقيل في قوله تعالى: ﴿ يا بني آدمقد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم﴾ يعني العلم ﴿وريشا﴾ يعني اليقين ﴿ولباسالتقوى﴾ يعني الحياء. وقال عز وجل: ﴿ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم﴾ وقالتعالى: ﴿فلنقصن عليهم بعلم﴾ وقال عز وجل: ﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتواالعلم﴾ وقال تعالى: ﴿خلق الإنسان¤ علمه البيان﴾ وإنما ذكر ذلك في معرض الامتنان.
وأما الأخبار فقال رسولالله صلى الله عليه وسلم: (من يردالله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده)[1] وقال صلى الله عليه وسلم: (العلماءورثة الأنبياء)[2] ومعلوم أنه لا رتبة فوق النبوة ولا شرففوق شرف الوراثة لتلك الرتبة. وقال صلى اللهعليه وسلم: (يستغفر للعالم ما في السموات والأرض)[3] وأيمنصب يزيد على منصب من تشتغل ملائكة السموات والأرض بالاستغفار له. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الحكمةتزيد الشريف شرفا وترفع المملوك حتى يدرك مدارك الملوك)[4] وقدنبه بهذا على ثمراته في الدنيا ومعلوم أن الآخرة خير وأبقى. وقال صلى الله عليه وسلم: (خصلتان لايكونان في منافق حسن سمت وفقه في الدين)[5] ولاتشكن في الحديث لنفاق بعض فقهاء الزمان فإنه ما أراد به الفقه الذي ظننته وسيأتيمعنى الفقه وأدنى درجات الفقيه أن يعلم أن الآخرة خير من الدنيا وهذه المعرفة إذاصدقت وغلبت عليه برىء بها من النفاق والرياء. وقال صلى الله عليه وسلم: (أفضلالناس المؤمن العالم الذي إن احتيج إليه نفع وإن استغنى عنه أغنى نفسه)[6] وقال صلى اللهعليه وسلم: (الإيمان عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وثمرته العلم)[7].وقال صلى الله عليه وسلم: (أقربالناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت بهالرسل وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم علىما جاءت به الرسل)[8].وقال صلى الله عليه وسلم: (لموتقبيلة أيسر من موت عالم)[9]. وقال عليه الصلاة والسلام: (الناس معادنكمعادن الذهب والفضة فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)[10].
وقال صلى اللهعليه وسلم: (يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء)[11]. وقال صلى اللهعليه وسلم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة حتى يؤديها إليهم كنت لهشفيعا وشهيدا يوم القيامة)[12]. وقال صلى اللهعليه وسلم: (من حمل من أمتي أربعين حديثا لقي الله عز وجل يوم القيامة فقيهاعالما)[13].وقال صلى الله عليه وسلم: (من تفقهفي دين الله عز وجل كفاه الله تعالى ما أهمه ورزقه من حيث لا يحتسب)[14].وقال صلى الله عليه وسلم: (أوحى اللهعز وجل إلى إبراهيم عليه السلام يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم)[15].وقال صلى الله عليه وسلم: (العالمأمين الله سبحانه في الأرض)[16]. وقال صلى اللهعليه وسلم: (صنفان من أمتي إذا صلحوا صلح الناس وإذا فسدوا فسد الناس الأمراءوالفقهاء)[17].وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتىعلي يوم لا أزداد فيه علما يقربني إلى الله عز وجل فلا بورك لي في طلوع شمس ذلكاليوم)[18].وقال صلى الله عليه وسلم: (في تفضيلالعلم على العبادة والشهادة فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي)[19]،فانظر كيف جعل العلم مقارنا لدرجة النبوة وكيف حط رتبة العمل المجرد عن العلم وإنكان العابد لا يخلو عن علم بالعبادة التي يواظب عليها ولولاه لم تكن عبادة. وقال صلى الله عليه وسلم: (فضلالعالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)[20]. وقال صلى اللهعليه وسلم: (يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء)[21]،فأعظم بمرتبة هي تلو النبوة وفوق الشهادة مع ما ورد في فضل الشهادة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عبدالله تعالى بشيء أفضل من فقه في الدين ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابدولكل شيء عماد وعماد هذا الدين الفقه)[22].
وقال صلى اللهعليه وسلم: (خير دينكم أيسره وخير العبادة الفقه)[23]. وقال صلى اللهعليه وسلم: (فضل المؤمن العالم على المؤمنالعابد بسبعين درجة)[24]. وقال صلى اللهعليه وسلم: (إنكم أصبحتم في زمن كثير فقهاؤه قليل قراؤه وخطباؤه قليل سائلوهكثير معطوه العمل فيه خير من العلم وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير خطباؤهقليل معطوه كثير سائلوه العلم فيه خير من العمل)[25]. وقال صلى اللهعليه وسلم: (بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجتين حضر الجواد المضمرسبعين سنة)[26].وقيل: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ فقال: (العلم بالله عز وجل) فقيل: أي العلمتريد؟ قال صلى اللهعليه وسلم: (العلم بالله سبحانه) فقيل له: نسأل عن العمل وتجيب عن العلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن قليلالعمل ينفع مع العلم بالله، وإن كثير العمل لا ينفع مع الجهل بالله)[27].وقال صلى الله عليه وسلم: (يبعث اللهسبحانه العباد يوم القيامة ثم يبعث العلماء ثم يقول: يا معشر العلماء، إني لم أضععلمي فيكم إلا لعلمي بكم ولم أضع علمي فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم)[28].نسأل الله حسن الخاتمة.
وأما الآثار فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل: يا كميل، العلم خيرمن المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمالتنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق، وقال علي أيضا رضي الله عنه: العالم أفضل منالصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلفمنه، وقال رضي لله عنه نظماً:
ما الفخرُ إلا لأهلِ العِلْم إنَّهـــم على الهدىلمن استهدى أدلاَّءُ
وقَدْرُ كلِّ امرىءٍ ما كانيُحْـسِنُه    والجَاهِلُون لأهْل العلم أعَداءُ
ففُزْ بعلمٍ تَعِشْ حياً به أبــــداً النَّاسَموتى وأهلُ العِلْمِ أحْياءُ
وقال أبو الأسود: ليس شيءأعز من العلم، الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك، وقال ابن عباس رضيالله عنهما: خُيِّر سليمان بن داود عليهما السلام بين العلم والمال والملك فاختارالعلم فأعطي المال والملك معه.
وسئل ابن المبارك: من الناس؟فقال: العلماء قيل: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قيل: فمن السفلة؟ قال: الذين يأكلونالدنيا بالدين ولم يجعل غير العالم من الناس لأن الخاصية التي يتميز بها الناس عنسائر البهائم هو العلم؛ فالإنسان إنسان بما هو شريف لأجله، وليس ذلك بقوة شخصه،فإن الجمل أقوى منه، ولا بعظمه فإن الفيل أعظم منه، ولا بشجاعته فإن السبع أشجعمنه، ولا بأكله فإن الثور أوسع بطنا منه، ولا ليجامع فإن أخس العصافير أقوى علىالسفاد[29] منه، بل لم يخلق إلا للعلم. وقال بعضالعلماء: ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم، وأي شيء فاته من أدرك العلم. وقالعليه الصلاة والسلام: (من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أوتي خيرا منه فقد حقر ما عظمالله تعالى)[30].
وقال فتح الموصلي رحمه الله: أليس المريضإذا منع الطعام والشراب والدواء يموت؟ قالوا: بلى، قال: كذلك القلب إذا منع عنهالحكمة والعلم ثلاثة أيام يموت. ولقد صدق فإن غذاء القلب العلم والحكمة وبهماحياته، كما أن غذاء الجسد الطعام، ومن فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم ولكنه لايشعر به؛ إذ حب الدنيا وشغله بهاأبطل إحساسه؛ كما أن غلبة الخوف قد تبطل ألم الجراح في الحال وإن كان واقعا[31]؛ فإذا حط الموت عنه أعباء الدنيا أحسَّبهلاكه وتحسر تحسرا عظيما ثم لا ينفعه وذلك كإحساس الآمن خوفه والمفيق من سكره بماأصابه من الجراحات في حالة السكر أو الخوف، فنعوذ بالله من يوم كشف الغطاء فإن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا[32].
وقال الحسن رحمه الله: يوزن مداد العلماء بدمالشهداء فيرجح مداد العلماء بدم الشهداء. وقال ابنمسعود رضي الله عنه: عليكم بالعلمقبل أن يرفع ورفعه موت رواته، فوالذي نفسي بيده ليودن رجال قتلوا في سبيل اللهشهداء أن يبعثهم الله علماء لما يرون من كرامتهم، فإن أحدا لم يولد عالما وإنماالعلم بالتعلم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي منإحيائها. وكذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه وأحمد بن حنبل رحمه الله. وقال الحسن فيقوله تعالى: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة﴾ (سورة البقرة: الآية201. سورة التوبة: الآية 122) إن الحسنة فيالدنيا هي العلم والعبادة وفي الآخرة هي الجنة وقيل لبعض الحكماء أي الأشياء تقتنيقال الأشياء التي إذا غرقت سفينتك سبحت معك يعني العلم وقيل أراد بغرق السفينةهلاك بدنه بالموت وقال بعضهم من اتخذ الحكمة لجاما اتخذه الناس إماما ومن عرفبالحكمة لاحظته العيون بالوقار.
وقال الشافعي رحمة الله عليه من شرفالعلم أن كل من نسب إليه ولو في شيء حقير فرح ومن رفع عنه حزن وقال عمر رضي الله عنه يا أيهاالناس عليكم بالعلم فإن لله سبحانه رداء يحبه فمن طلب بابا من العلم رداه الله عزوجل بردائه فإن أذنب ذنبا استعتبه ثلاث مرات لئلا يسلبه رداءه ذلك وإن تطاول بهذلك الذنب حتى يموت وقال الأحنف رحمه الله كاد العلماءأن يكونوا أربابا وكل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل مصيره وقال سالم بن أبي الجعد اشتراني مولاي بثلثمائةدرهم وأعتقني فقلت بأي شيء أحترف فاحترفت بالعلم فما تمت لي سنة حتى أتاني أميرالمدينة زائرا فلم آذن له.
وقال الزبير بنأبي بكر كتب إلي أبيبالعراق عليك بالعلم فإنك إن افتقرت كان لك مالا وإن استغنيت كان لك جمالا وحكىذلك في وصايا لقمان لابنه قال يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن اللهسبحانه يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء. وقال بعض الحكماءإذا مات العالم بكاه الحوت في الماء والطير في الهواء ويفقد وجهه ولا ينسى ذكره.وقال الزهري رحمه الله العلم ذكر ولاتحبه إلا ذكران الرجال.

تعليقات